عام 2023 أثبت استثنائيته في اكتظاظه بأحداث الموضة المحورية من جانب القيادة الإبداعية، التغييرات الادارية والمجموعات المميزة التي أشعلت شعلة الابداع والابتكار وأيضاً انتجت ردود الافعال المتباينة ما بين الاعجاب والاستنكار والهوس وأيضاً وبلا شك المواقف الحيادية.
في زحمة مجموعات الأزياء وتنوع توجهاتها وأقسامها، نسلط الضوء في هذا التقرير المُبسط عن أبرز مجموعات الأزياء الراقية المفضلة لدينا والتي حازت على الاعجاب العضوي والتلقائي وتربعت على عرش الأهمية ما بين العشرات من المجموعات الأخرى.
في عام 2023، عرضت العديد من دور الأزياء مجموعات استثنائية من الأزياء الراقية. في حين أن الآراء الفردية قد تختلف حول المجموعات”الأفضل”، فإليك بعضًا من المجموعات البارزة من هذا العام.
موسم ربيع وصيف 2023 للأزياء الراقية “سكابريلي” ورؤوس الحيوانات المهيبة
كيف لنا ألا نفتتح هذه المراجعة بدار “سكابريلي” التي تفتتح بدورها أسبوع الأزياء الراقية الباريسي في كل موسم وتبتدأه بعزف النغمة السيريالية مولعةً الشرارة الدراماتيكية من أول إطلالة، فلا يوجد مستوى آخر من تلك اللحظة للمبالغة الا للهبوط.
في مجموعة ربيع وصيف 2023 للأزياء الراقية قدم المدير الإبداعي ” دانيل روزبيري” مجموعة للدار الفرنسية مستوحاة من قصيدة الجحيم لـ”دانتي” فكانت النتيجة مجموعة استثنائية جداً جمعت ما بين السيريالية، الفن و الغرابة و دُفعت حدتها بموجة من إثارة الجدل.
احتوت المجموعة على صور ظلية بطابع المبالغة حيث كانت البدلات الرسمية والبدلات المقلمة تحتوي على أكتاف مبالغ فيها، وخصور ضيقة، وبنطلونات طويلة للغاية وامتدت الأجسام إلى ما هو أبعد من قياساتها المعتادة.
أما الحصة الأكبر من الاهتمام فكانت للإطلالات والتصاميم التي نتأت منها رؤوس حيوانات مفترسة واقعية جداً لدرجة سريالية، أثارت تشكيلة من المشاعر لدى المستقبلين والحاضرين مابين الرعب والهيبة والاستنكار و سوء الفهم الذي تشكل على هيئة تحريض و تشجيع لممارسة الصيد و أيضاً كان هناك التعجب و الانبهار من الامكانية الجبارة والمهارة والحرفة التي يمتلكها اتلييه “سكابريلي” لإنتاج هذه الرؤوس الواقعية من مواد صناعية بحته.
“جان بول غوتييه” و”حيدر أكرمان”… التعاون الذي دمج المبالغة مع الخياطة الحادة وفنونها
قدم “حيدر أكرمان” مجموعتة المنتظرة باعتباره في ذلك الوقت أحدث مصمم ضيف لـ”جان بول غوتييه” حيث قدم مجموعة مذهلة مزجت أسلوب “أكرمان” الهادئ في الموضة مع تراث مصمم الأزياء الفرنسي من التصاميم الغريبة و الدراماتيكية.
فكان لجمالية “أكرمان” البسيطة إلى حد ما، تَناسُب كبير وجيد مع نهج “غوتييه” متطرف المبالغة.
الفساتين السوداء الأنيقة بحدة خطوطها والمعاطف التي تمتد على الأرض وتتميز ببطانة من الحرير الأخضر الفاتح والأزرق الديناميكي، وكان هنالك معاطف وبدلات رياضية رجالية على حد سواء مغطاة بطبقات من الترتر المعدني.
مزجت أزياء “أكرمان” في ملابس السهرة بين الهيكلية والانسيابية، من الذيول الطويلة المتدفقة على الفساتين الناعمة إلى بذلة حريرية برتقالية زاهية مزينة بعقدة عملاقة. أما الاطلالة الختامية وهي اطلالة العروس، كانت بذلة ضيقة مغطاة بالزخارف ليكون لها تأثير الحراشف، ومغطاة بكاب أبيض وغطاء رأس مطابق، بسيط، ولكنه لافت للنظر.
“فيكتور اند رولف” ورقصة الفالس في مراحلها المتأخرة من الرأسمالية
لمجموعة “فيكتور اند رولف” ربيع وصيف 2023 للأزياء الراقية، شهدت قاعة حفلات فندق إنتركونتيننتال واحدة من مجموعات الأزياءالراقية المفاهيمية الأكثر إمتاعًا والتي تم تقديمها في جو الحفلات الفارهة الكلاسيكية والموسيقى المثالية التي تصاحبها، ومع ذلك فإن المجموعة نفسها هي صورة للكلاسيكيات التي انقلبت رأسًا على عقب، بالمعنى الحرفي للكلمة.
كانت الفساتين الثلاثة الأولى عبارة عن فساتين ضخمة وفاخرة، جميلة التصميم ومبهرة التنفيذ، وتنانير واسعة من التول اتبعت الصورة الظلية لحرف A بجزء علوي مدعوم من قبل الكورسيهات يعلوه التطريز والشك والزخارف الجميلة التي ذكرتنا بالأزياء الراقية في الخمسينيات.
ولكن بعد ذلك ظهرت العارضة الرابعة وهي تمشي بملابسها الداخلية مع ثوبها يمشي ويتأرجح أمامها بخطوة.
سارت العارضات على خشبة العرض مرتديات أثوابهن بشكل جانبي أو رأسًا على عقب وفي حالة عجيبة تخرج العارضة من خلال الثوب الأفقي من فتحة منشارية في تنورة التول الكثيفة.
هناك علاقة إيجابية عبقرية موجودة في هذه المجموعة بين أسلوب الـAvant-garde في تقديم الفساتين وارتدائها والحرفية التقليدية في تصميم الأزياء الراقية الواضحة التي تتطلب بنائها.
المصمم “روبرت وون” ومجموعته الأولى للأزياء الراقية
خلال أسبوع الأزياء الراقية في باريس لموسم ربيع وصيف 2023، أطلق المصمم “روبرت وون” مجموعته الأولى للأزياء الراقية ولم يخيب الحدث الواعد الآمال.
في المجموعة التي تحمل عنوان “كابوس تحول إلى أحلام”، قام “وون” بحماية مجموعته الأولى بشكل خيالي وتأمينها من الأخطاء والتحديات، وكاد يحميها ويحصنها من أوجه القصور التقنية والحوادث المؤسفة لأن كابوس كل مصمم أزياء قد حدث بالفعل.. عن قصد.
من بقع النبيذ، وقطرات المطر إلى علامات الحروق، أصبحت جميعها زخارف وزينة وأشكالًا معززة بشكل مميز.
بتفاصيل دقيقة ثلاثية الأبعاد من الريش واللؤلؤ بثت الحياة إلى المجموعة.
عُمق المعنى وشاعرية القصة وتعقيد التنفيذ.. عندما أخذنا آشي ستوديو الى سطح القمر
كـشِعر صيغت أبياته بالأقمشة، يبرع آشي في إيصال الإحساس والمشاعر إلى جانب إبداعاته التي تنضح بالكلاسيكية والسحر، وفي هذه المجموعة ركز على التصاميم والصور الظلية الحسية والمُحددة للقوام.
يتميز Ashi Studio بظل معين من اللون الأبيض المرادف لـ Ashi، والذي تم إثباته بوضوح عندما اُفتتحت وأُختتمت المجموعة بإطلالات بيضاء كدلالة مرئية على التوقيع الحسي.
بَدت المجموعة رومانسية مع تصادم القيمتين المتناقضتين المتمثلتين في الرقة والدراما بشكل متساوٍ لإنتاج مجموعة أنيقة خالدة.
من خلال الخرز المعقد والأحجام الساحرة التي تعبر عن الأنوثة، لا يدور Ashi Studio حول تضخم الأقمشة بالكثافة، بل بالأحجام المحسوبة بدقة والتي توجد بشكل استراتيجي لتنحت القوام الأنثوي واستكماله ومع ذلك لا تزال تنقله إلى عالم من الخيال والجمال الأثيري.
موسم خريف وشتاء 2023 للأزياء الراقية
“فندي” وحُب المجوهرات والإدلاء بالشخصية الجوهرية
ركزت مجموعة “فندي” من تصميم المدير الفني “كيم جونز” على الفساتين الفاخرة الملائمة للمناسبات والأمسيات، وخاصة الفساتين بالصورة الظلية العمودية بإضافة هيكلة من الطيات التي تعطي انطباع يوناني عريق. فساتين بياقات عالية تحتضن القوام بالتصاق أقمشتها، وبأسلوب تعدد الطبقات قُدمت تشكيلة من الفساتين المدعومة والمزينة بالكورسيه بينما كانت فساتين تتألق بتقنية الداربيه والأناقة المترفة.
كما كانت الجاكيتات الحريرية كبيرة الحجم والفساتين السوداء الفضفاضة أساسًا لمجموعة مليئة بألوان الباستيل المحايدة حيث سادت ظلال من اللون الوردي الرمادي والبني الفاتح لوحة ألوان المجموعة.
وكتب “كيم جونز”، المدير الفني لدار “فندي” للأزياء الراقية والملابس النسائية، في ملاحظات العرض: “هذا الموسم، أردنا التركيز على تحقيق الانسيابية والتثنيات والشكل من خلال تقنيات الأزياء الراقية”. “لقد عملنا على قالب يعتمد على مجوهرات “دلفينا” الراقية. إذا لم تكن هناك مجوهرات، فإن الفكرة لا تزال حاضرة من خلال لوحة الألوان والزخرفة في المجموعة.”
حملت العارضات حقائب يد جلدية صغيرة تشبه صناديق المجوهرات. بجانب الفساتين من الدانتيل المتلالئة بالكريستال، رَبطت الحقائب المجموعة ببعضها البعض، حيث تم أخذ لوحة الألوان مباشرة من الالماس الأسود والياقوت.
“ستيفان رولان” يحيي صوت الأوبرا وأزياء واحدة من أهم مؤدينه في قصر غارنييه للأوبرا بباريس
المجموعة التي قدمها المصمم الفرنسي “ستيفان رولان” كانت من أضخم وأجمل المجموعات لهذا الموسم المميز للأزياء الراقية.
في قصر غارنييه للأوبرا بباريس وأرضيته الرخامية والبهو الفاره الواسع، عرض رولان تشكيلة من الفساتين الأنيقة الدراماتيكية التي طغى عليها توقيعه الفني الذي يميل الى العوامل الهندسية والتصاميم المعقدة البارزة التي تصنع بحضورها بيان جمالي وجريء.
صعود العارضات للسلالم التاريخية الأيقونية وهم يرتدون الإطلالات متناهية الأناقة كانت بمثابة لوحة جميلة وبراقة كأنها تنتمي للزمن الجميل.
المجموعة مستوحاة ومُهداه لفنانة السبرانو والأوبرا الأمريكية-اليونانية “ماريا كالاس”، حيث وُجد “ستيفان رولان” في صوتها وموهبتهاوتأثيرها قوة مُلهمة كبيرة تزينت وزادت بأناقتها التي وُلجت على المسارح أثناء أداءها، فتُوِجَ جمال صوتها بأناقة حضورها.
حلم رمادي ذو حواف وخطوط رسمية من “توم براون”
في قصر غارنييه للأوبرا بباريس قدم “توم براون” مجموعته الأولى للأزياء الراقية التي تميزت بتفاصيل دقيقة وحرفة الكوتور التي تشكلت بالشك والتطريز المتناهي الدقة الذي اندمج مع هوية الدار المعتادة المتشكلة على هيئة بَدلات رسمية رمادية اللون.
فن التفكيك والتركيب المعقد تجلى في تنوع الأقمشة في القطعة الواحدة.
تلاعب “براون” بالحدود الظلية ليخلق أشكال وأنماط متعددة من الزي المُوحد الذي عُرف به، البِدل الرمادية.
فساتين ضخمة تداخلت مع الخياطة الحادة تميزت بطابع ڤيكتوري ومستقبلي في آنٍ واحد وبعض الإطلالات البيضاء التي عكست جو التفاؤل والسعادة التي توصلت إليه بطلة القصة بعد قطار الأفكار الرمادي التي مرت به لينتهي بإطلالة عروس استثنائية وجميلة جداً بطريقة وأسلوب “توم براون”. فستان بتصميم معطف رقيق ابيض ومفتوح الازرار ليسمح لحاشية وذيل الفستان أن تمتد على أرضية المدرج، ربطة عنق وقفازات بلا أصابع وكعب بلاتفورم حاد يميل الى الـ Avant-Garde وقطعة رأس شبكية من التل الأبيض زينت الإطلالة وحَلت مكان الطرحة التقليدية.
امتزج حس المصمم المسرحي وملابسه الرسمية بتقاليد الكوتور وعاداته بختمه للمجموعة بإطلالة العروس وهالتها الناعمة، المجموعة التي يمكننا أن نقول بأنها تاريخية.
“جوليان دوسينا” حلقة الوصل مابين إرث الأسباني “باكو ربان” والفرنسي “چان پول غوتييه”
وقَع الاختيار على المدير الإبداعي لدار رُبان “جوليان دوسينا” ليكون الضيف الخامس الذي يصمم مجموعة للأزياء الراقية لدار “چان پول غوتييه”.
كانت المجموعة جميلة ومتوازنة جداً ولربما من رأيي أكثر مجموعة تعاونية تواجدت بها مَراجع “غوتييه” بسلاسة ووضوح متوسط، فزادت من غموض التفاصيل واندماج العناصر الفنية ووجهات نظر التصميم.
طبيعياً طغى على المجموعة الشبك المعدني المعروف بأنه توقيع الدار الأسبانية الفرنسية التي يُصمم لها حالياً “دوسينا” ليقدم دمج ثلاثي استثنائي، مابين رؤيته الخاصة ورؤية دار الإرث التي يعمل لتحديث ومواكبة رؤيتها والدار المستضيفة.
الخداع البصري، التلاعب بالألوان والأناقة المتدفقة لدار “فالنتينو”
قدم المصمم مجموعة “ڤالنتينو” خريف و شتاء 2023 للأزياء الراقية بعنوان “Un Château” في “شاتو دي شانتيلي” وكان القصربمثابة خلفية خلابة نابضة بالتاريخ والحس المعماري المنتمي للقرن الـتاسع عشر.
في هذه المجموعة “بيير باولو بيتشولي” يقدم رسالة عن التمعن والنظر عن قرب لكشف حقيقة الأشياء حيث ليس كل شيء يبدو كما هو فعلاً، دلالة بالإطلالة الافتتاحية من قبل العارضة “كايا غربر” وهي ترتدي لِباساً كلاسيكي المظهر من أول نظرة، تألفت هذه الاطلالة من قميص أبيض ناصع مفتوح الأزرار بالكامل تقريباً ومدخل في بنطال جينز واسع. الجينز في الواقع ليس جينز على الإطلاق، بل منفذ تبع قاعدة الخداع البصري ليبدو مثل الدنيم. عندما نتفحص القطع عن كثب وننظر إلى تفاصيله، سنرى أن البنطال مصنوع بالكامل من الخرز، وتصل مدة تنفيذه إلى أربعة أسابيع من العمل والتطريز اليدوي. تم تحقيق تأثير الدنيم المُتموج باستخدام 80 درجة مختلفة من اللون النيلي وتطريز الخرز قطرياً كنسيج الدنيم الحقيقي وتقطيعه على الجانبين فقط ليكون أكثر نعومة وأقل لمعاناً.
كانت التفاصيل مدعومة بعوامل زادت من القوة الاقناعية للمظهر العام مثل الدبابيس والأزرار المأخوذة من الجينز الحقيقي.
تأرجحت هذه المجموعة بين مفهوم ظاهرة التناقض حيث ما تراه ليس كما هو وقوة الحرفة والمهارة الحقيقية في جعل ما هو صعب التنفيذ فعلياً وبمراحله المعقدة يظهر بمظهر جذاب ببساطته وساحر بقلة تَكلُفه، مفهوم بمعناه يستعرض أتيليه “فالنتينو” قوته الجبارة في تجسيد مقولة السهل الممتنع وتطويعها في هذه المجموعة للـكوتور.
